يعد الصداع من أكثر الأمراض انتشاراً بين الناس , فهل هو من الناحية العلمية مرض قائم بذاته , أو هو عرض لمرض أو عدة أمراض , يدل عليها وينبيء بقدومها ؟
بعض الحكماء يقولون : إن الألم نعمة وهبت للإنسان , وأن له فائدتين : أولاهما أنه يطهر النفس , وأخراهما أنه يشير للمرض , ويدل عليه . بينما يقول الفلاسفة عكس ذلك تماماً , أي أنه لا يوجد في الدنيا ما يسيء إلى النفس والروح مثل الألم , ولذا كان الواجب الأول على الطبيب هو تسكين الألم .
عرض مشترك
وكلمة الصداع تعني كل ألم في الرأس , وهو طبياً عرض مشترك لأجهزة مختلفة . والأنسجة المؤلمة في الرأس محددة , يمكن تعدادها كالتالي :
1. جدار الأوعية الدموية , وبخاصةً الكبيرة منها .
2. سحايا القاعدة .
3. الأعصاب الناقلة للألم تكون مؤلمة بحد ذاتها أحياناً , كعصب مثلث التوائم , والعصب البلعومي اللساني , والأعصاب الرقبية العلوية .
أما إذا أردنا أن نحصر أسباب الصداع الكثيرة فيمكن إيجازها وترتيبها على النحو التالي :
أ. الصداع النفسي المنشأ : يشكل أكثر أنواع الصداع في العالم . وغالباً ما يكون فيه ألم الرأس في جهة القفا , وفي الصباح أكثر منه في المساء , وقد يصاحبه أرق ليلي وميل للكآبة , وتذمر من العمل , وقد يكون السبب النفسي واضحاً للشخص , كأن يبدأ الصداع إثر حادث أليم , أو تعرض لمشكلة عارضة , أو يكون غير واضح تماماً , وهذا يحتاج إلى استقصاءات عديدة لنفيه أو ثبوته .
ب. الصداع السني المنشأ : ويحدث بوجود ألم في الأسنان النخرة أو المنطبقة انطباقاً سيئاً .
ج. الصداع العيني : يحدث بعد جهد عيني , أو بسبب أمراض العين , مثل مشكلات
الانكسار التي تحدث اضطراباً في الرؤية للبعد أو للقرب وعلاجها بالنظارات
المصححة .
وهناك الصداع الذي يحدث في مرض الزرق , وهو ناجم عن ازدياد توتر العين ,
ومن العلامات التي تشير إلى هذا المرض احمرار العين , واتساع الحدقة , وهو
يتطلب علاجاً فعالاً وسريعاً لحماية البصر .
د. الصداع العضلي : ويسمى صداع الشدة أو التعب , وينشأ عن تشنج العضلات
الرأسية أو عضلات الرقبة , وتشنج العضلات الرأسية يحدث عند الشخص
النظامي غالباً الذي يشغل نفسه كثيراً بترتيب أموره إلى أبعد حد , وينزعج
لحدوث أي خلل في نظامه , ولا يسامح فيه أبداً .
أما عضلات الرقبة فتتشنج لوجود آفات في عظام العمود الرقبي ومفاصله .
ه. الصداع الأذني المنشأ : ويحدثه وجود دمل في الأذن الخارجية أو التهاب في
الأذن الوسطى أو الخشاء .
و. الصداع الوعائي : يحدث في جميع الأمراض التي تؤدي إلى ارتفاع الحرارة , لأن
ارتفاع حرارة الجسم توسع شعب الشريان السباتي الباطن وجدار الأوعية من
الأنسجة المؤلمة في الرأس كما ذكرنا .
الشقيقة
ويحدث هذا الصداع أيضاً بوجود أمهات دم في الدماغ . وهناك الصداع الوعائي بالخاصة , والمعروف بالشقيقة , وهذا من صفاته أنه نابض مزدوج أو شقي يأتي بنوبات , ويترافق غالباً مع أعراض وعائية أخرى .
ز. الصداع العصبي : وهو أخطر أنواع الصداع , وسببه إما وجود كتلة في الدماغ , أو
حدوث التهاب في السحايا أو الدماغ , وهذا النوع يترافق مع أعراض أخرى عصبية
منبهة , كالقيء , واضطرابات الرؤية , والشلول واضطرابات التوازن وخدر في الحس
وهو حتماً يتطلب الإسراع بمراجعة الطبيب للبدء في المعالجة المبكرة التي تعطي
نتيجة أفضل قدر المستطاع . وهناك ألم عصب مثلث التوائم في الوجه الذي يعبر
عنه المرضى أحياناً بأنه صداع , ولكن من صفات هذا الألم أنه برقي لامع , يصفه المريض بأنه ألم يلمع كالبرق أو الكهرباء .
ح. الصداع التالي للرض على الرأس إما لتشكل دشبذ عظمي مكان الرض , أو لوجود كسب مادي من ورائه , يدعيه الشخص للتعويض له عن الحادث في العمل وغيره .
ط. الصداع الغدي المنشأ : يحدث بوجود اضطرابات في الغدة الدرقية أو الغدة النخامية . ومن الجدير بالذكر أن الأطفال نادراً ما يصابون بالصداع المزمن , وإذا أصيبوا به فغالباً ما يكون ذلك إحدى الحالتين التاليتين :
1. شقيقة وتكون وراثية غالباً .
2. مرض عصبي , كحدوث التهاب سحايا , أو تشكل ورم دماغي .
مراجعة الطبيب
وأخيراً فإنه على كل من يصاب بالصداع أن يكون على علم بهذه الأسباب, فإذا كان السبب واضحاً لديه , كأن يبدأ الصداع بعد الإصابة بمرض معين , عليه مراجعة طبيبه المختص بهذا المرض .
أما إذا احتار بمعرفة السبب , فما عليه إلا مراجعة طبيب العائلة الخاص الذي يكشف سبب صداعه ويعالجه , أو يحيله إلى الاختصاصي المناسب , علماً بأن هناك بعض الحالات التي تتطلب استشارة عدة اختصاصيين , إما لوجود أكثر من سبب , أو لعدم وجود سبب واضح معلل , وهنا إذا نفيت الأسباب العضوية كلها يكون السبب بالتأكيد نفسياً , وهذا السبب قد يكون كامناً لا يعيره الشخص اهتماماً .
وبما أن نسبة وجود العامل النفسي في الصداع كبيرة جداً أتقدم بالنصح إلى هؤلاء الأشخاص بأن يروضوا أنفسهم على الابتعاد عن الضجيج وزحمة الحياة المدنية المعاصرة , شاغلين أنفسهم بهوايات جميلة , وبأعمال مفيدة , ولا يدعون الظروف والأحداث تتحكم بحياتهم , بل عليهم أن يكونوا أسرع تكيفاً مع حوادث الحياة , وأكثر إرضاءً لأنفسهم بمنحها الرضا والقناعة من جهة , والانفتاح والوثوب إلى كل ما هو جميل بالحياة من جهة أخرى , وما عليهم إلا تأدية واجباتهم على قدر استطاعتهم , وهنا لا بد أن ينالوا الراحة والطمأنينة النفسية الكافية 00